لو كانت لنا حكومة
<!--[if !supportEmptyParas]--> <!--[endif]-->
لو كانت لنا حكومة إسلامية صحيحة الإسلام , صادقة الإيمان , مستقلة التفكير والتنفيذ , تعلم حق العلم عظمة الكنز الذي بين يديها , وجلال النظام الإسلامي الذي ورثته , وتؤمن بان فيه شفاء شعبها و وهداية الناس جميعا ... لكان لنا أن نطلب إليها أن تدعم الدنيا باسم الإسلام , وأن تطالب غيرها من الدول بالبحث والنظر فيه , وأن تسوقها سوقا إليه بالدعوات المتكررة والإقناع والدليل والبعثات المتتالية , وبغير ذلك من وسائل الدعوة والإبلاغ , ولاكتسبت مركزا روحيا وسياسيا وعمليا بين غيرها من الحكومات , ولاستطاعت أن تجدد حيوية الشعب , وتدفع به نحو المجد والنور , وتثير في نفسه الحماسة والجد والعمل .
عجيب أن تجد الشيوعية دولة تهتف بها , وتدعو إليها , وتنفق في سبيلها , وتحمل الناس عليها , وأن تجد الفاشية والنازية أمما تقدسها , وتجاهد لها ,وتعتز باتباعها , وتخضع كل النظم الحيوية لتعاليمها , وأن تجد المذاهب الاجتماعية والسياسية المختلفة أنصار أقوياء , يقفون عليها أرواحهم وعقولهم وأفكارهم وأقلامهم وأموالهم وصحفهم وجهودهم , ويحيون ويموتون لها.
ولا نجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام , الذي جمع محاسن هذه النظم جميعا وطرح مساوئها , وتقدمه لغيرها من الشعوب كنظام عالمي فيه الحل الصحيح الواضح المريح لكل مشكلات البشرية , مع أن الإسلام جعل الدعوة فريضة لازمة , وأوجبها على المسلمين شعوبا وجماعات قبل أن تخلق هذه النظم , وقبل أن يعرف فيها نظام الدعايات :
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) .
ولكن أنّى لحكامنا هذا , وهم جميعا قد تربوا في أحضان الأجانب , ودانوا بفكرتهم , على آثارهم يهرعون , وفي مرضاتهم يتنافسون ؟ ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الفكرة الاستقلالية في تصريف الشؤون والأعمال لم تخطر ببالهم ,فضلا عن أن تكون منهاج عملهم.
لقد تقدمنا بهذه الأمنية إلى كثير من الحاكمين في مصر , وكان طبيعيا ألا يكون لهذه الدعوة اثر عملي , فإن قوما فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم , ويتقدموا بدعوة سواهم إليه , وفاقد الشيء لا يعطيه .
ليست هذه مهمتهم أيها الإخوان , فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها , ولكنها مهمة هذا النشء الجديد , فأحسنوا دعوته , وجدوا في تكوينه ,وعلموه استقلال النفس والقلب , واستقلال الفكر والعقل , واستقلال الجهاد والعمل , واملأوا روحه الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن , وجنّدوه تحت لواء محمد ورايته , وسترون منه في القريب الحاكم المسلم الذي يجاهد نفسه ويسعد غيره