هل سيحاكَم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك؟ كواليس السياسة تتحدث عن «صفقة» عُقدت بينه وبين المؤسسة العسكرية، يجري بمقتضاها عدم ملاحقة مبارك وأفراد أسرته ومساعديه قضائياً نهائياً، وتوفير الحماية الأمنية اللازمة لهم، بالنظر إلى عدم رغبة مبارك في السفر إلى الخارج رغم إلحاح أسرته ومساعديه على ذلك. صفقة يُقال إن إسرائيل وأميركا باركتاها، بدليل أنّ الدول التي جرت مخاطبتها لمصادرة أموال مسؤولين مصريين أعلنت أنّ طلب السلطات المصرية لم يتضمن مصادرة أموال الرئيس أو أيّ من أفراد عائلته.
كذلك فإنّ رؤساء تحرير الصحف الذين اجتمعوا، أول أمس، مع بعض القادة العسكريّين، أُبلغوا غضب أسرة الرئيس إزاء الحملات الإعلامية التي تُشنّ على أفراد العائلة، وتستهدف التجريح بهم،والخوض في أسرار «البيزنس». كما أن جمال مبارك تحدث من مخبئه السري مهدِّداً ومتوعِّداً، كأنه لا يزال في منصبه كابن للرئيس.
ما يثير الغضب أنّ التحقيقات الأولية مع المسؤولين الكبار في النظام لم تأخذ طابع الجدية الكافية، وخصوصاً أنهم جميعاً تحدثوا عن
تلقيهم أوامر من السيد الرئيس مباشرةً. وزير الداخلية السابق حبيب العادلي تحدث في صحيفة «المصري اليوم» عن أنه لم يجرِ استدعاؤه
على الإطلاق والتحقيق معه. وبعدها بساعات، صدر قرار القبض عليه، مع تسريبات أشارت إلى أن العادلي اعترف بوجود «غرفة جهنم»، وهي غرفة سرية
في مقر الحزب الوطني الذي أُحرق في القاهرة، ولا أحد يمكنه فتحها إلّا بكلمة سر لا يعرفها سوى ثلاثة: جمال مبارك،
والأمين العام للحزب صفوت الشريف، والعادلي نفسه. غرفة تحتوي على تقارير موثَّقة بالصوت والصورة والمستندات لما سمّاه الوزير
«جرائم» كبار المسؤولين في الدولة والبعثات الأجنبية العاملة في القاهرة. كما تضم الغرفة وثائق تخص الرئيس نفسه، وشركاته، والنِسب التي
يحصل عليها من دخل قناة السويس والصفقات الأسلحة. فجّر العادلي المفاجأة: «مَن أحرق مقر الحزب في جمعة الغضب ليس المتظاهرين، بل
رجال في النظام والحزب خافوا من تسرُّب أوراق هذه الغرفة ووصولها إلى جهات سيادية». ورأى العادلي أنه مجرّد «كبش فداء
للنظام».
المثير أن العادلي، الذي ألقي القبض عليه ليلة الخميس الماضي، تعرضت السيارة التي تنقله لإطلاق نار كثيف، في محاولة لترهيبه أو
حتى لاغتياله حتى لا تُفتح الملفات المغلقة. الأمر نفسه ينطبق على أحمد عز، الذي أشار إلى أنه «مجرد منفِّذ لتعليمات شخصيات أكبر
منه»، في إشارة واضحة إلى مبارك.
كذلك فإنّ عدم توجيه أي اتهامات إلى وزير الإعلام السابق أنس الفقي لا يزال أمراً مثيراً للريبة، وخصوصاً أن أبسط هذه الاتهامات مثبَت:
التحريض على الشعب، وبث الرعب، والتخطيط مع بلطجية النظام لإحداث مذبحة الأربعاء الدامي، أو «موقعة الجمال» الشهيرة. هل
سيقول الفقي ـــــ كما قال العادلي ـــــ إنه كان يتلقى تعليماته مباشرةً من السيد الرئيس؟ العجيب أيضاً أنه لم يجرِ حتى الآن توقيف صفوت
الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي، أو حتى وضعهم تحت الإقامة الجبرية، رغم أنه يمكن توجيه مئات
الاتهامات بالأدلة المثبت
إليهم.
ملايين التوقيعات بدأ جمعها خلال الأيام الماضية لمحاكمة الرئيس تتكدّس أمام النائب العام، الذي إن لم يوقّعها، فسوف يلجأ المصريون
إلى المحاكم الدولية لتحقيق الشعار الجديد للثورة: «الشعب يريد
تطهير الدولة»